مقالة "الخطوط العامة للمؤامرة الكونية" للشيخ عبد الله المهيلان كاملة
رابط السلسلة للقراءة
الخطوط العامة للمؤامرة الكونية (من المدونة)
[01]
كان الحديث عن المؤامرة حديثا يُستملح في المجالس لخروجه عن المألوف ويُشبع الفضول وتُطلق فيه أعـنّة الخيال لأنه يدور حول المؤامرة التي لا تعني إلا الإطار الترفي والكمالي في حياة الإنسان.
العالم اليوم محكوم وفق نظم علمانية ويتحرك وفق تموجات ليبرالية بعد أن أطلقت أوروبا الدين الكنسي في أزمان مضت, فلا داعي الآن للحديث عن تآمر كوني على الإسلام أو على البشرية .. هذا ( حديث خرافة ) .. من فضلكم غـيّروا مسار هذا التفكير الصدئ الذي كان يعمل بزيوت الأنعام وشحومها, تحتاجون اليوم أن تغسلوا عقولكم بزيوت (موبيل) و (شل) حتى تلمع وتزداد بريقا من هذا التفكير الذي أنتم فيه, هذا لسان الحال والمقال لأغلب الناس اليوم, ويعجب المرء أن يكون هذا حال الطبقة التي تُعقد عليها الآمال وتجتمع عليها الخناصر أن يكونوا هداة مهتدين, والحق أن لله تعالى سننا ومن سنة الله تعالى أن الباحث ليس كالمُعرض, فمن تقفّر الحق وجده وإن عمل به إهتدى, وهذا الحق عالم كبير يشمل معرفة الحق والباطل وصراعهما في اللحظة الآنية كما في الزمان الغابر, وقصرت همم بعضهم على معرفة الحق وحصر الباطل في أشياء محددة ثم إستروح قائلا تحت الظل ويطمع أن يكون هاديا ولن ينصر الحق والدين إلا من أحاطه من جميع جوانبه (رواه البيهقي).
النص يتناول قضية مهمة تتعلق بالمسؤولية الكبيرة التي تقع على عاتق الطبقة المثقفة أو الموجهين الذين يُعقد عليهم الأمل في توجيه المجتمع نحو الخير والحق. يعبر الكاتب عن دهشته من أن بعض أفراد هذه الطبقة، الذين من المفترض أن يكونوا هداة مهتدين، قد لا يكونون على قدر المسؤولية.
ثم يوضح أن لله سننًا في الكون، ومن هذه السنن أن الشخص الذي يبحث عن الحق بجدية سيجده، وإذا عمل به سيهتدي. ويشير إلى أن الحق هو مفهوم واسع يشمل معرفة الصواب والخطأ، والصراع بينهما ليس فقط في الحاضر، ولكن عبر التاريخ.
وينتقد الكاتب بعض أفراد هذه الطبقة الذين اكتفوا بمعرفة جانب من الحق وحصروا الباطل في جوانب محددة، ثم ارتاحوا تحت ظل معرفتهم الجزئية، مع أنهم يطمحون إلى أن يكونوا هداة للآخرين. ويختتم النص بالتأكيد على أن نصرة الحق والدين لا يمكن أن تتحقق إلا لمن أحاط بالحق من جميع جوانبه وفهمه بشكل شامل.
الحديث الذي أورده الكاتب "رواه البيهقي" هو تأكيد على أهمية السعي الشامل لفهم الحق، وليس الاكتفاء بفهم محدود.
بعد كورونا وإنكشاف الحراشف الخشنة للمسلسل التمثيلي الناعم الذي أخرجته الصين, ظننت أن الكثير سيستيقظ لجلاء اللعبة التي إنطلقت بتساقط مروع في شوارع ووهان ثم دبت ودرجت في شوارع أوروبا وفجأة أصبحت ساحات ووهان عروضا جماهيرية تعج بالأضواء, هنا يستيقظ الغافل من سكرته لو كان عاقلا ويسأل سؤالين :
الأول : كيف تجاوزت الصين الأزمة وبأي لقاح كان؟ حتى يُـفاد من تجربتها.
الثاني : الفيروس الذي أصابنا ووصل إلينا لم يفعل فينا مثل ما فعل في ووهان في أول الأمر حين نرى مشهد التساقط والخرور والأموات في الشوارع, هل فيروسهم يختلف عن فيروسنا أم أن الصور (فوتوشوب)؟
هذان سؤالان كفيلان لإيقاظ العاقل الغافل لمراجعة فكرة (المؤامرة), والمؤامرة هنا ليس المقصود بها الكـيد الدولي لنهب ثروات بلاد محددة أو الأخذ بإرث قاتل ما, المقصود بها هي : تلك التدبيرات التي يُـراد بها إزهاق الدين وإخضاع الناس لدين الشيطان والدجال (النظام العالمي الجديد).
هذه المؤامرة تمتد من الزمن السحيق وقد بدأت في العلو ثم تنتهي فصولها حيث بدأت والأرض هي مسرح الصراع, وكلما كان طرفا الصراع قريبين من البداية زمنا كانت أجلى صورة وأشد صراعا, فآدم عليه السلام رأى إبليس واشتد صراعهما ولما نزل إلى الأرض اختفى عن ذريته, وكلما إقتربنا من النهاية ظهرت تلك الأشراط حتى تظهر الشياطين للناس عـلنا. وهذا الظهور يتبعه ما هو من جنسه ظهور من الكيد والمؤامرة, فكلما إقتربت ساعة المواجهة المباشرة كشف الله تعالى المؤامرات لعباده حتى يُحيى من حي عن بينة فالبيان العلمي قبل البيان العملي.
وما تبع كورونا من تغييرات وتعليمات مست شعائرنا وحياتنا كنت مؤخرا له ولم أدرك أن أصحاب المؤامرة في سباق مع الزمن لتنفيذ المخططات المرسومة والمؤهلة لنظام الدجال وقانا الله فتنته برحمته ولطفه, كنت مُخطئا في تقدير المدة لكن الآن متأكد أني مصيب في بيان هذه المؤامرة وإن تأخرت وإن كنت فيها لم آت بجديد, ولعل الله تعالى أن يحيي قلب من أراد الله به خيرا.
وما سأذكره ليس من الفضول بحال ولا من السهولة كما يظن كثير, ما سأذكره أشبه بخوارزمية شديدة التعقيد تتطلب بحثا دؤوبا وعملا مستمرا ورصدا لمعلومات متناثرة ولواقع حي تعيشه على مدار الساعة. وقد كنتُ محجما (أي ممتنعا أو مترددا) عن الكتابة المنتظمة عن هذا الشأن لأن الأمر يكفي فيه معلومة مبتورة (غير موثوقة أو غير كاملة, و قد يكون من الصعب تتبع أًصول تلك المعلومة) عن نسبها ونسلها, والذكي سيلحظ السلسلة أو محاضرة مقطوعة تُفهم سامعها (الشخص الذكي أو الفطن قد يتمكن من ملاحظة بعض الأنماط أو الروابط التي تشير إلى تسلسل معين في المعلومات أو الأفكار، حتى لو كانت المعلومة غير مكتملة), لكن بعد كورونا وقصة اللقاحات تبين أن الأمر يستدعي بيانا لأصول القصة وشبكة الأخطبوط الذي يلف عالمنا, الناس تنتحر ببطىء وهي لا تدرك أن موضع الأمان هو موضع الفاجعة, فحين يدفعون أموالهم لشراء لقاح تصدره شركة تابعة للمتآمرين بسبب فيروس هم من صنعوه ويغرزونهم في أجسادهم بكامل الطمأنينة والاختيار هذا أكبر فلاح ونجاح للشيطان, كيف أن الخدعة جرت عليهم وكيف وثقوا بمن ليسوا أهلا للثقة وكيف شروا (إِشتروا) السم بأموالهم .. يالله .. ماذا جرى؟
المصيبة جلل وقد حان البيان. (المشكلة التي وقعت كبيرة وخطيرة جدًا ("جلل" تعني عظيم أو جسيم)، وأن الوقت قد حان للكشف عن الحقيقة أو التوضيح بشأن هذا الأمر ("البيان" يعني التوضيح أو الإفصاح(.
[02]
لن نستطيع الإحاطة بخيوط المخطط الشيطاني بتفاصيله على مر الأزمان وتعاقب الدهور, فالمُدد طويلة والعلوم مبتورة, والناس في ما سبق لم تكن في جهل مدقع كما تصورّه لنا مناهجنا التعليمية التي صُنعت تحت إشراف من يقومون على المؤامرة المحكي عنها.
فآدم عليه السلام كان ذا علم وخلقه الله تعالى على أكمل وجه, ومن هذه الوجوه أنه ذو حكمة وعلم ودراية وسرى هذا في ذريته حتى إنحرف بهم إبليس اللعين عن التوحيد إلى الشرك (وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا), أمة واحدة على التوحيد والفطرة حتى اجتالتهم الشياطين عن توحيدهم وفطرتهم وبقي لهم من العلوم الموروثة من آدم ما بقي, وكذلك العلوم التي هي نتاج الإنسان ومعرفته كان مزبورة حتى حصلت بعض الحوادث المريبة من إفناء هذه العلوم ومصادرتها, ففي مداهمة التتار لبغداد أحرقت مئات الآلاف من الكتب حتى تلوّن النهر من الحبر وقامت محاكم التفتيش النصرانية بإحراق جميع مخطوطات الأندلس ويقرب منها زمنا ما فعله الإسبان في إتلاف كل المكتبات القديمة في المكسيك التي تخص حضارة المايا. وقبل بـ ألف 1000 أُحرقت مكتبة بيزنطة الواقعة في تركيا حاليا وفيها ما يزيد عن نصف مليون كتاب وفي روما تم تمزيق المكتبة على يد غوغاء وفيها كتب ثمينة المعلومات. وفي السنوات الأولى لميلاد المسيح عليه السلام أحرق الإمبراطور أكثر من ألفي كتاب وكانت تتحدث عن المعارف التاريخية والنهاية لهذا العالم, وقبلها بثلاثة قرون قام الإسكندر المقدوني الوثني الباطني بإحراق مكتبة برسبوليس الواقعة في إيران حاليا وتحوي آلاف المخطوطات, ولو ذهبنا شرقا لوجدنا الإمبراطورية الصينية قبل الميلاد تقوم بنفس الفعل وعدد المتلفات العلمية بالألوف المؤلفة .
هذا المرصود من حركة إعطاب التاريخ غير ما فات يظهر أن القصد منه تجهيل الأمم الوليدة والناشئة لهدف كبير سيأتي ذكره بإذن الله تعالى.
لأننا لو لاحظنا روّاد حركة التجهيل هذه (حُرّاق الكتب) لوجدنا أنهم باطنيون وأصحاب أفكار شيطانية ومن فرق تُقدّس الشيطان برمز الشمس وإن كان بعضهم في الظاهر ينتمي للنصرانية. ظهرت أمم لا تعرف عن تاريخ العالم شيئا ولا عن أنوار الوحي بصيصا فعُمّيّت على هذه الأمم زورا ما مضى وما سيأتي, فالشيطان يلاحق كل نور سماوي ليطمسه وقد بلغ مُناه حتى يأس لما جاء محمد صلى الله عليه وآله وسلم بنور الوحي الذي كشط فيه طبقات الظُلَم وهز عرش إبليس ونقل من العلوم الفائتة والآتية ما أبان فيه زور المُبطلين وجناية الظالمين.
فكان مما قص الله تعالى علينا في كتابه الذي جاء به هذا النبي الكريم قصة موسى عليه السلام وفرعون, وكانت هذه القصة أكثر ورودا وكان من الحكم الذي دعا تكرارها هو محوريتها تاريخيا وأقصد بالمحورية هنا المحورية الزمنية, فكأن موسى عليه السلام وفرعون يمثلان النقطة التي ينتصف فيها العالم زمنا حين قال : (قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَىٰ), فكأن زمنهما الزمن الواقع بين طرفي نقطتين متساوية, وهذا يشير إلى أن الخلق لا يتجاوز الألوف من السنوات وليس كما يُقال الآن أن عمر الإنسان مئات الألوف, و يشير كذلك إلى المحورية الأثرية التي لها بصمات على من بعدها ولا زالت, ففرعون موسى إجتمعت له علوم الأولين والشياطين فكانت مصر أم الدنيا.
وليست مقولة "مصر أم الدنيا" السائرة عبارة ذوقية تُقحم في أجواء المجاملات, هي عبارة باطنية تحمل أسرار الدنيا التي وُضعت فيها (مِصر), فهي أم الدنيا لأنها الأنموذج الحقيقي للنظام العالمي آنذاك والذي يريدون تـطبيقه بأدوات تناسب العصر, وسيأتي مزيد بيان فيه بإذن الله تعالى.
هذه الحضارة الفرعونية بأسرارها السحرية والعلمية كانت وريثة العلوم المخفية والمطمورة والتي كانت قبل الطوفان, وهذه العلوم كانت حبيسة الأهرامات المتناثرة في العالم والموجودة وفق هندسة جغرافية دقيقة من حيث المكان الأرضي والمكان النجمي, وكان عند أهل ذاك الزمان طرف علم بالطوفان فأودعوا علومهم في هذه الأهرامات, قال السيوطي في تحفة الكرام : (ما أحسب الأهرام إلا بُنيت قبل الطوفان لأنها لو بُنيت بعد الطوفان لكان علمها عند الناس), لذلك طُمِـرت الأهرامات في العالم بفعل الطوفان, والعلم عند الله تعالى.
حاز هذه العلوم فرعون لعنه الله الذي ورد ذكره في القرآن كثيرا كـ شخصية لا مُـنافس لها في الشر, وأصل هذه العلوم شيطاني سحري, فكما أن آدم عليه السلام هبط من الجنة وله جملة من العلوم فالشيطان لعنه الله كذلك له جملة من العلوم والمعارف خصوصا الفلكية لتردده في السماء كثيرا وعلمه بمواقع حركة الأفلاك والأجرام وصِلتها بالأرض. وهذه العلوم السرية لما كان فرعون حظيّاً فيها ومهيمنا على قومه بها كما قال للسحرة (وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ), فالسحرة تخافه لقوته المعرفية بالأسرار التي تُـسمى الآن علمية. كان موسى عليه السلام أكثر الأنبياء آيات وبينات بعد نبينا (فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُّفَصَّلَاتٍ) (في تسع آيات إلى فرعون وقومه) (وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ آيَاتِنَا كُلَّهَا فَكَذَّبَ وَأَبَىٰ), بعد هذه الآيات العظيمة التي تخضع ملوك المعارف السريّة والباطنية كما فعل السحرة كان فرعون من المكذِبين الآبين.
جاء القسيس سيكار كما يذكر المؤرخ الفرنسي كلود سافاري إلى مصر واشترى بعض أوراق البُـردي التي فيها الكتابات الفرعونية ثم أحرقها وقال : (إنني على يقين من أن مصائب الدنيا سوف تجيء من هذه الأوراق القديمة, وأن الفراعنة يعرفون كل أسرار الكون), والعجيب أن اليسوعيين الذراع الأمثل للماسونية الأكثر سرية جمعوا ألوف المخطوطات الفرعونية وأودعوها الفاتيكان ولهذا فصل من فصول الحكاية.
[03]
في حديث إبن عمر الذي رواه الطبراني بسند ضعيف مرفوعا (أن الشيطان دخل العراق فقضى حاجته, ثم دخل الشام فطُرد منها, ثم دخل مصر فباض فيها وفرّخ وبسط عبقريّه), وجاء نحو هذا عن إبــن عمر بسند جيّد وجاء عن عمر ما يوافق بعض أجزاء المرفوع بسند ثابث.
فالشيطان بسط عبقريّه وهو ما يدل على قوته وأسراره في مصر, وهذا ما يوافق القرآن في إسهابه لذكر الشخصية الفرعونية ويُــوافق الواقع في حيرة علماء الزمان السالف والحاضر في أعجوبة الأهرامات التي بُنيت في عهد فرعون اقتداء بالأهرامات التي بُنيت قبله, ولهذا قال بعض المفسرين كالطاهر بن عاشور في قوله تعالى : (وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ), أنها أهرامات فرعون التي تجعل المتفكر فيها يجزم أن (شيفرة) الشيطان تتخلل طوب تلك الحجارة المنضودة كالوتد في الأرض.
ولا تُطوى تلك الأسرار السحرية في مدرسة الهندسة البنائية التي كانت لفرعون والتي لاحقا باضت وفرّخت البنائين الأحرار (الماسون), بل تغوص في الكونيات والطبيعيات وغيرها من العلوم.
هذه التركة الفرعونية لم تطمرها مياه العذاب التي أطبقت عليهم كالطود العظيم, بل حملها كهنة المعابد الفرعونية وإنتقلت إلى طائفتين :
الأولى : كما يقول الفرنسي لابلاس بأن كهنة مصر هم الذين علموا فلاسفة الإغريق الكثير من الحكمة والعلم والأسرار الكونية, فهم الذين علموا ديموقريطس وفيثاغورس وأفلاطون, ولعل فيثاغورس أول فيلسوف يتنبىء بنظام عالمي جديد. وسادت الأسرار السحرية الفرعونية عند الإغريق باسم الحكمة حتى أُطلق على كل طالب حكمة (فيلسوف) بمعنى المُحب للحكمة .. وهذه الحكمة حقيقتها التشبه بالإله وهذا يعني معرفة الأسرار التي تكشف كل غامض في فهم هذا الكون, فإذا وصل الحكيم لهذا العلم استطاع أن يُغيّر هذا الكون من ذرّته إلى مجرّته, ولهذا كانت كلمة (الحكمة) ذات بريق آسر في ذاك الزمن.
لم تكن "الحكمة بريئة في البيئة الإغريقية (اليونانية) والتي كانت غلافا لأسرار الفراعنة مأوى الشيطان وعُشّ بيضه, ولذلك كانت إحدى عناوين الرسالة العيسوية (وَلَمَّا جَاءَ عِيسَىٰ بِالْبَيِّنَاتِ قَالَ قَدْ جِئْتُكُم بِالْحِكْمَةِ) (وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنجِيلَ), والحكمة هنا إصابة الحقيقة من طريقها الصحيح لا من طريق الشياطين التي كانت تتمظهر في كهنة الفراعنة وورثتهم, ولهذا جاءت آيته بالبراعة في الطب بما يعجز عنه البشر.
كان الهدف الأسمى للفراعنة وورثتهم الفلاسفة : الوصول لأسرار العالم, ولا يزال هذا الهدف قائما فاعلا في أفراخهم المُعاصرين في حركة دؤوب لا تعرف الإنحناء في جميع المجالات العلمية ولهذا حديثه المناسب في سياقه.
ومما يُــؤكد أن بعضا من تلك الأسرار إنتقلت لفلاسفة اليونان إنتشار رؤى ونظريات لبعضهم لا يمكن معرفتها إلا عن طريق وحي رباني أو وحي شيطاني مثل قولهم بالمذهب الذرّي (الجوهر الفرد) أو (العرض لا يبقى زمانين), هذه المسائل التي تمس الطبيعيات ووظفت في الإلهيات هي من علوم الفيزياء الحديثة والتي تؤكدها بتفاصيل أدق وهذا لا يمكن علمه إلا بوحي ما في ذاك الزمان الذي لا يُعرف الاختراعات الحديثة في ما يخص الذرة, وهؤلاء وأسيادهم سادة في الكفر.
النص يتناول فكرة انتقال بعض الأسرار والمعارف من الثقافات القديمة، مثل الثقافة المصرية والبابلية، إلى فلاسفة اليونان، ويشير إلى أن هذه المعارف تتعلق بمفاهيم علمية دقيقة لا يمكن للإنسان في تلك الأزمنة معرفتها إلا من خلال وحي رباني أو وحي شيطاني.
المثالان المذكوران في النص هما:
المذهب الذرّي (الجوهر الفرد): هذا المذهب يرتبط بفكرة أن المادة مكونة من جسيمات صغيرة غير قابلة للتجزئة (الذرات). هذه الفكرة كانت موجودة عند الفلاسفة اليونانيين مثل ديموقريطوس، ورغم أنها تختلف في تفاصيلها عن المفهوم العلمي الحديث للذرة، إلا أن أساسها مثير للدهشة بالنظر إلى عدم وجود وسائل تقنية متقدمة في ذلك الزمن.
العرض لا يبقى زمانين: هذه الفكرة فلسفية تتعلق بالصفات أو الخصائص (الأعراض) التي تطرأ على الأشياء، حيث يعتقد بعض الفلاسفة أن هذه الأعراض لا يمكن أن تستمر في الزمن؛ بمعنى أن الخصائص تتغير باستمرار ولا تبقى كما هي عبر الزمن.
النص يشير إلى أن هذه الأفكار القديمة في مجالات مثل الفيزياء والطبيعيات، والتي قد يكون لها تطبيقات في الإلهيات (علم اللاهوت)، لا يمكن أن تكون قد نشأت من مجرد التأمل الفلسفي العادي، بل ربما تتطلب نوعًا من الوحي أو الإلهام الذي يأتي من مصدر خارج عن الطبيعة البشرية. ويختتم النص بالتأكيد على أن من تبنوا هذه الأفكار كانوا في نظرهم قادة في الكفر، وهو حكم نابع من منظور ديني.
النص يعبّر عن رؤية نقدية تجاه الفلاسفة اليونانيين من منظور ديني، معتبراً أن بعض معارفهم قد تكون مستمدة من قوى غير بشرية، وهذا يعكس تصوراً دينياً شائعاً في بعض الثقافات الإسلامية، التي ترى أن بعض العلوم والمعارف القديمة قد لا تكون نابعة فقط من العقل البشري.
والثانية : طائفة من بني إسرائيل (اليهود), هذه الطائفة وصفها الله تعالى وصفا دقيقا في كتابه بأنها عابدة للطاغوت (الشيطان) .. إنسلخت من عبادة الله تعالى إلى عبادة الشيطان وغاصت في السحر والباطنية لأعمق حد ويتمحور هذا في (القبّالاه) أو (الكابالا), والتي حقيقتها خليط من موروث فرعوني وسحر سُـليماني (منسوب لسليمان عليه السلام بفعل الشياطين).
هذه الطائفة هي التي عناها الله تعالى بقوله (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ), يؤمنون بالشيطان والسحر, وكما قال تعالى (وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ), وقد ذكر الله تعالى نماذج قرآنية تتحرك في كل عصر, فمن هؤلاء الخيميائي السامري الذي نكب قوم موسى وأرداهم في الشرك بعملية خيميائية يتجاذب فيها علم الشيطان وعلم الإنسان, ومن هُـنا كان الدور البارع للباطنيين في علم الخيمياء والبحث عن حجر الخلود أو حجر الفلاسفة كما يسمونه.
ومنهم قارون إمبراطور المال الذي عبد شيطانه (إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَىٰ), وسرت هذه الصورة الإسرائيلية في عصرنا وغير عصرنا باسم "العوائل المالية" والتي يصل نسبها لبني إسرائيل, وهي كما وصف الله تعالى عابدة للطاغوت ومؤمنة به وبالسحر ومن أصدق من الله قيلا.
هذه الفئة خطيرة جدا ولها سطوة وغلبة, وغالب اليهود كما وصف الله تعالى (ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ ... وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ) (وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الْأَرْضِ أُمَمًا), وليس كهذه الفئة الخطيرة التي تمتلك من القوة ما يمدها به الشيطان كما أمد الفراعنة بأسراره.
هاتان الطائفتان كانتا أعظم الروافد لما يسمى بعد بالجمعيات السرية الباطنية - وإن كانت بعض الجمعيات السرية موجودة آنذاك - ومن ثم قِــيام عصر النهضة على أرضية الأسرار الدفينة من وحي الشيطان.
قناة التلجرام : كناشة دروس الشيخ المهيلان
قناة الشيخ الرئيسية : جؤنة الطيب
بالتوفيق دائما بإذن الله